ومضات من حياة الإمام الشهيد الشيخ أحمد ياسين
غزة-خاص
كثيرة هي الومضات في حياة الشيخ الذي حاز على أعلى درجات الإعجاب ممن كانوا حوله أو عايشوه أو حتى ممن تعرفوا إليه من المشاهدة الأولى ...
كان حريصا على أن يكون قدوة في شتى المجالات ونجح في ذلك رغم عجزه، وكانت إرادته أقوى بكثير من الأصحاء الذين حوله لدرجة أن بعض من عايشوه كانوا يشعرون بالخجل أمام قدرة تحمله للمتاعب والمشاق خصوصا في خدمة أبناء وطنه، لقد ترك شيخ فلسطين أطيب الأثر في كل مدينة وقرية في كل شارع وبيت وفي قلوب الملايين الذين أحبوه ليس في فلسطين وحدها بل في العالمين العربي والإسلامي وصورتهم على شاشات التلفزة كانت وحدها تعبر عن هذا الحب الرباني الذي لم يسبقه أحد إلى هذه القلوب التي توحدت اليوم والتي جعلت من شيخ فلسطين إماما لهم .
شيخ فلسطين هو الأب لحركة حماس وهو المؤسس والحريص على أن يجعل من الحركة حركة للمقاومة الفلسطينية التي تلقت صفعات من الذين يحاولون إنهاء القضية والمقاومة عن طريق المفاوضات والاتفاقيات الاستسلامية التي لا تخدم القضية الفلسطينية ولا تخدم الشعب الفلسطيني بل تحاول تهميشه وإضعافه والنيل من حقوقه المشروعة ، ومن هنا كان الشيخ حريصاً على أن تبقى المقاومة هي الخيار الوحيد والإستراتيجي لمقاومة الاحتلال الصهيوني ، فلم يترك الشيخ مجالا أو جهازا في الحركة إلا وكان متطلع عليها وبفضل الله وعونه كبرت الحركة واتسعت فكان لها الأثر المزلزل تحت أقدام الصهاينة .
كان شيخ فلسطين الشهيد القائد على رأس المجاهدين..
أحد مهندسي المقاومة الشعبية التابعة " لحماس "قال " إنهم فوجئوا في إحدى المرات بالشيخ الشهيد الرمز يناقشهم في أدق تفاصيل عملهم في إطار الاستعدادات للتصدي لأي اجتياح صهيوني محتمل لمدينة غزة مضيفا أن حديث الشيخ الشهيد الرمز لم يكن مجرد حديثا للترف أو لاستعراض وأضاف المجاهد:" أن الشيخ اقترح طرقا لنصب الألغام الأرضية لمواجهة دبابات الاحتلال ،واهتم بمعرفة طريقة وآلية توزيع المجاهدين على مناطق مدينة غزة ،والمحاور التي يمكن أن تكون مداخل لاجتياح قوات الاحتلال الصهيوني, مواقف الشيخ الشهيد القائد الرمز كانت كثيرة في هذا المجال ولا يمكن حصرها في فترة قصيرة من بعد استشهاده رغم أن الشهيد لم يكن يتدخل في العمل العسكري إلا أنه كان يحب أن يسهم مع المجاهدين في أوقات الشدة .
الشيخ الشهيد القائد في كل قضية..
كان الشيخ القائد الشهيد أحمد ياسين رحمه الله يفرغ وقته لحل مشاكل المواطنين وكان يستمع لكل القضايا التي تطرح عليه مهما كانت ، كان هذا العمل لا يشغله عن العمل الوطني فأي مشكلة أو قضية في الحركة كان يتابعها ،ويعمل على حلها في مختلف المجالات حيث كان وجوده ورمزيته وكان الشيخ الشهيد حاسما في اتخاذ القرارت، ويقول المجاهد إنه من بين المواقف الطريفة التي يذكرها أحد الأخوة أنه حضر خلال زيارته للشيخ الشهيد الحي في أحد الأعياد حينما تدخل الشيخ الرمز لحل مشكله تمثلت في خلاف وقع بين فريقين لكرة القدم لمسجدين في غزة حيث تصاعد الخلاف إلى الشجار.. فكان الشيخ القائد يسأل عن كل صغيرة وكبيرة عن سبب الخلاف ، واستغل الشيخ القائد زيارة الفريقين له، وقام بنقاشهم حول أسباب الخلاف لدرجة أظهرت علم الشيخ بقوانين كرة القدم، وفي نهاية الأمر توصل الشيخ إلى حل يرضي الطرفين يتناسب مع قوانين اللعب من جانب، وأخلاقيات المسلم .
لقد كان شيخ فلسطين إنساناً يحمل هموم الوطن وهموم الشعب رغم مرضه الشديد كان قلبه كبيراً يتسع لكل أبناءه من المواطنين حتى الأطفال الذين أحبوه كان الشيخ يحتضنهم ويقبلهم بكل حنان كان الأطفال ينتظرونه كل يوم عند خروج الشيخ لأداء الصلاة فيلتفون حوله ويذهبون برفقته إلى المسجد ، هذا هو الإمام الراحل وهذه هي أخلاقه الإسلامية التي نقلها إلى أبناءه من شعبه الذي أحبهم وأحبوه والذين عاهدا الله أن يسيروا على دربه بمواصلة المقاومة والجهاد في سبيل الله .
كان الإمام الشهيد يتابع حل الكثير من المشكلات وديا، دون لجوء أصحابها إلى المحاكم، من خلال لجان الإصلاح، التي أسسها في الأراضي الفلسطينية، والتي كانت أحد الأسباب في حب شريحة كبيرة من المجتمع الفلسطيني للشيخ الشهيد المجاهد الرمز ،رغم انشغال الشيخ القائد الشهيد في قيادته لحركة "حماس"، إلا أنه كان يعطي الجانب الاجتماعي ،والإصلاح بين الناس أهمية كبيرة توازي في تأثيرها الجانب السياسي، وكانت له صولات وجولات في هذا الأمر، وهو ما جنب الفلسطينيين إراقة الكثير من الدماء، من خلال عمله على حل مشكلات وقضايا معقدة ظلت عالقة لسنوات طويلة في المحاكم ،لم يغلق الشيخ الرمز في يوم من الأيام باب منزله في وجه أحد قصده ليحل له مشكلاته، لاسيما الضعفاء من الناس، كما أن كافة شرائح وفئات وطوائف المجتمع كانت تتوجه إليه لحل مشكلاتها، بمن في ذلك العديد من المسيحيين.
ويروي الشيخ زياد عنان من مدينة غزة الذي رافق الشيخ فترة الثمانينات خلال عمل الشيخ الشهيد القائد الرمز في الإصلاح، أنه لم يكل أو يمل يوما فكان يبدأ يومه منذ ساعات الفجر وحتى نومه يستقبل المواطنين في منزله المتواضع الذي قسمه نصفين نصف لأسرته ونصف للاستقبال ومتابعة شكاوى الناس وقضاياهم ويضيف عنان : " إنه في أحد أيام رمضان انتهى الشيخ من حل قضية قبل الإفطار بدقائق وأثناء نقلي له على كرسيه إلى داخل المنزل الذي كان فيه مع أهل بيته فوجئنا برجل يدخل علينا، ويرجو الشيخ أن يسمع شكواه فما كان مني - شفقة على الشيخ - إلا أن عاتبت الرجل على حضوره في وقت غير مناسب ،وطلبت منه أن يعود في وقت آخر وتابع عنان : ردي لم يعجب الشيخ وقال: لي أنا لم أطلب منك أن ترد على الرجل: وإذا كنت قد تعبت فاذهب إلى بيتك .. هذا كان رد الشيخ الشهيد الحي الذي أنهكه العمل على شكاوى الناس طوال اليوم وحين جاء وقت تناوله الإفطار آثر أن يستمع للرجل حتى النهاية ليمتد الوقت بالشيخ دون إفطار لما بعد العشاء.
وأضاف عنان "أن الشيخ ياسين قال لي بعد أن ذهب الرجل، أهكذا الدعوة يا زياد". وأردف عنان قائلا "هذا الموقف لم أنسه في حياتي.. علمني كيف أتعامل مع الناس، حيث قال لي: " أنت تريد أن توصل رسالة إسلامية للناس، فكيف تريد أن تكون إنسانا داعية للحق بسلوكك هذه الطريقة، وكان دائما يوصينا أن نكون رفقاء بالناس، ولا نستخدم أي أسلوب قاس، مع أي منهم حتى المعتدي".
رافق الشيخ أحمد ياسين لأكثر من 35 عاما
الشيخ أحمد بحر :انتدبني للدراسة الشرعية وشجعني على الخطابة
عاش معه في نفس المسجد والمخيم الذي انطلقت منه دعوة الشيخ أحمد ياسين،تعلم الخطابة وتجرأ على الوقوف أمام الناس على يديه، ورافقه في أغلب محطات حياته ودعوته وجهاده.
**البداية في المسجد
هذه العبارات المقتضبة تلخصت حياة حافلة عاشها الشيخ الداعية أحمد بحر برفقة معلمه الشيخ الشهيد احمد ياسين ويقول أبو أكرم عن بداية معرفة بالشيخ :"تعرفت على الشيخ من خلال مسجد الشمالي الكائن في معسكر الشاطئ الشمالي, وذلك في عام 68 أو 69 م عند ما كان هذا المسجد مسقوفا بالاسبست والجزء الآخر منه كان معروشا ،وفي تلك الفترة كان يأتي الشيخ إلى المسجد يصلي كل الصلوات تقريبا وذلك بالرغم من بعد المسجد عن بيته حيث كان يقم في أطراف المعسكر من الجهة الشمالية
** حلقات العلم
ويتحدث الشيخ أبو أكرم عن نشاط الشيخ في هذه الفترة ويقول "استقينا على يديه القرآن الكريم والسيرة النبوية ،وكان يجلس معنا في حلقات في المسجد ،كما كان بيته مأوى لكل الشباب ،بالرغم من أن بيته كان متواضعا جدا ،وفي تلك الأيام أشرفت أمه على خدماته في أغلب الأحيان
ويشير أبو أكرم إلى أنه كان يبلغ من العمر 19 عاما وكان الشيخ حينها عمره 33 عاما وقد توثقت علاقته بالشيخ فهم أبناء المخيم نفسه والمسجد وحتى إنهما من نفس البلدة الأصلية (الجورة) يذكر أن أغلب الناس في الحارة كانوا يلجئون للشيخ لحل مشاكلهم والإصلاح بينهم .
ومن نشاطات الشيخ في مسجده بالإضافة إلى الدروس وحلقات العلم إقامة مسابقات ثقافية للشباب في المسجد.
**الحدث الذي لا ينسى
أما الحدث الذي لا يستطيع أن ينساه أبو أكرم فهو ذلك اليوم الذي طلب منه الشيخ إعطاء درس للمصلين في المسجد بعد صلاة العصر ،وقال له يا سيدي الشيخ ماذا أقول للناس ،وكان الشيخ يريد أن يعلمه الخطابة ويقول أبو أكرم " عندما وقفت أمام الناس كانت أرجلي ترتجف وتصطك ببعضها ولكن الله أعانني ،وبعد ما تكلمت أمام الناس ورغم أنني كنت ارتجف لكني وجدت تشجيعا من الجميع وكانت تلك فاتحة خير والحمد لله أكرمني الله وأصبحت خطيبا بفضل الشيخ رحمه الله.
الدراسة في المعهد الشرعي ..
مرحلة جديدة من مراحل حياة الشيخ أبو أكرم توثقت بها علاقته مع الشيخ أكثر وذلك عندما انتدبه الشيخ للدراسة في المعهد الشرعي بمدينة الخليل وكانت هذه بداية تحول في صالح أبو أكرم عندما درس بالخليل الثانوية الشرعية والعامة في آن واحد مع العلم انه كان قد حصل على الثانوية المصرية في غزة فأصبح يحصل على ثلاث شهادات ثانوية ويقول أبو أكرم "لقد كنت متشوقا للدراسة الشرعية وبالرغم من انه كان اسمي من بين المرشحين للعمل في وكالة الغوث وكانت فرصة للعمل والخروج من حالة الفقر التي كنا نعيشها إلا أنني رفضت في سبيل إكمال الدراسة الشرعية
ويشير أبو أكرم إلى أن الشيخ في تلك الفترة كان يواصل نشاطه الدعوي ويتنقل بين المساجد في أنحاء القطاع ويقول :بعدما كنا نجتمع في المجمع الإسلامي ننطلق إلى مساجد القطاع وأتذكر انه لم يكن في هذه الفترة سوى أخوة قلائل منهم صلاح الصفدي ود.أحمد أبو حلبية ،وتذكرني هنا حادثة فقد كنت قد طلبت إذناً من الشيخ وقلت له أنا تعب ولا أريد أن أخرج معكم ،فقال لي أنت تعبان وأنا مش تعبان" فقلت في نفسي أن هذا الرجل المشلول لا يعاني بالرغم من مرضه وأنا أعاني وكان هذا يدل على الطاقة الموجودة في الشيخ التي لم تكن نراها في الأصحاء ،وهذا السر العجيب في الشيخ.
**النشاط النسوي
الأمر المهم الذي أسس له الشيخ الشهيد هو النشاط النسوي في القطاع ويقول الشيخ بحر :" لقد أسس العمل النسوي وبدأ نشاطه في مسجد العباس فكان يجمع النسوة هناك ويعطيهن المحاضرات ،وفي احد الأيام دعاني الشيخ لإعطاء درس للنساء في العباس وكنت قد ترددت في ذلك فقال الشيخ هل تترك الشيوعيين يعطوا الدروس ،وذهبت يومها وأعطيت الدرس للنساء واستفادت النساء كثيرا وكانت هذه بداية أخرى كان للشيخ الفضل الكبير فيها .
**زيارة إلى الخليل
وانتقل الشيخ بحر للحديث مرة أخرى عن فترة وجوده في الخليل بعدما تخرج من الثانوية الشرعية، وعين إماما لمسجد "بيت أمر"، ومأذونا شرعيا لمنطقتي بيت أمر والعروب وبيت صوريف أيضا، وفي تلك الفترة زاره الشيخ في بيت أمر، ودخل المسجد في البلدة ورآه الناس -في القرى يحب الناس أمام المسجد وبالذات إذا كان غريبا ولهذا كان الشيخ بحر محبوبا في القرية- ظنوا أن الشيخ يريد أن يطلب مساعدة فاجتمع حولي المصلون، وقالوا : ماذا يريد هل يريد فلوسا، فوقفت أمام الناس، فقلت لهم هذا شيخنا وإمامنا أتى ليعطيكم الدروس، وعندما أعطى الدرس انبهر الناس به، واجتمعوا حوله يسلمون عليه ويقبلونه.
ويصف الشيخ أبو أكرم شخصية القائد الشهيد ويقول: كان الرجل الذي تجمع عليه فرسان الحركة وأبناؤها وإذا ما قال الشيخ كلمة فإن الجميع يبادر إلى تطبيقها ، وذلك لثقة أبناء الحركة الإسلامية في صدق وإخلاص الشيخ، ولقد عرفنا معاني العزة والكرامة منه، وفي اعتقادنا فانه كان يتحدث بعزة الله وبقوة الله وبنصر الله ، ولذلك كان لا يخاف الموت.
ومن مواقف العزة التي اعزه الله بها موقفه من عمر سليمان رئيس المخابرات المصرية تلك المخابرات التي كانت تطارده في حياته الأولى أيام جمال عبد الناصر، وذلك عندما قال له في مكالمة هاتفية يا سيدي الشيخ أتمنى عليك أن توقف الإشكالية وتوقف إطلاق النار، فقال له الشيخ لا أستطيع أن أعطيك قرارا وسأعرض الأمر على مؤسسات الحركة وحقيقة كان يستطيع أن يقول كلمة، ولكنه أراد أن يعلمنا الشورى الحقيقية.
ويشير أبو أكرم أنه قابل الشيخ قبل أسبوع من استشهاده وكان يتحدث عن المضي في الطريق ويبث في المتواجدين معه روح الأمل والنصر بأنه قادم إن شاء الله.
**آثار الصحبة
وعن الآثار التي تركتها رفقته للشيخ يقول بحر: لقد كان سببا في إعطائي دفعة في الخطابة والدعوة إلى الله في المساجد، وتعلمنا منه التفاني والتضحية، وألا نكل أو نمل في دعوتنا إلى الله سبحانه وتعالى وأعطانا قوة العزيمة والصبر والأمل في النصر، وعلمنا الشجاعة والجرأة وألا نخاف الموت، وتوج هذا أيضا بتقوى الله والقرب من الله كما كان يحثنا على صلاة الفجر في جماعة، كما كانت آخر عباراته التي سمعتها هي ترديده للآية الكريمة ،
"وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين"
آل عمران – 46 .
وعن اللحظات التي تلقى فيها نبأ استشهاد الشيخ قال بحر: لقد كانت لحظات صعبة جدا علينا، عندما سمعت النبأ في البيت فأنا وزوجتي وأبنائي بكينا بكاء شديدا وفي أثناء البكاء كانت في قلوبنا فرحة بأن ما تمناه الشيخ ناله، وهذا ما يشعر الإنسان بصدق هذا الرجل وبعمق إيمانه وبثقته بالله، فهو أولا حقق أمنية كان يتمناها ونحن نغبطه على هذه الشهادة خاصة انه كان مريضا وعرض عليه الأطباء أن يبيت في المستشفى فرفض ليلقى الله سبحانه وتعالى وكان قد أدى قيام الليل وصلى الفجر فكان من العبادة إلى الشهادة، فالشيخ في حياته أحيا امة وفي مماته أحيا امة أيضا.
**خسارة كبيرة
وعن الفراغ الذي تركه الشيخ يقول بحر : لا شك انه خسارة كبيرة ليس لحركة حماس فقط بل للشعب الفلسطيني ولكن حقيقة عزاؤنا انه تمنى الشهادة فأعطاه الله إياها ، ولا شك أن شارون وحكومته المجرمة عندما أقدمت على اغتيال الشيخ إنما أرادت أن تضرب هذه الحركة وتفتت من عضدها وتخلخل صفوفها لأنهم يعتبرونه المدير للعمل السياسي والعسكري والدعوي ولكن ظن هؤلاء خاب وسيخيب فالتفاف الحركة ومبايعة د. الرنتيسي كان صفعة للكيان المسخ وكان الزلزال الأول بوحدة الحركة.